فصل: أَولهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ بِهَذَا اللَّفْظ من طرق أَرْبَعَة:
أَولهَا: من حَدِيث أم حَبِيبَة رَضي اللهُ عَنها، رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة «أَن أم حَبِيبَة كَانَت تستحاض، فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا أَن تتْرك الصَّلَاة قدر أقرائها وحيضها».
وَهَذَا من بَاب الْعَطف إِذا تغايرت الْأَلْفَاظ كَقَوْلِه: وَألقَى قَوْلهَا كذبا ومينًا.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ- أَيْضا بِسَنَد كل رِجَاله ثِقَات- عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة «أَن أم حَبِيبَة استحيضت، فَذكرت شَأْنهَا لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لتنظر قدر قرئها الَّتِي كَانَت تحيض لَهَا...» الحَدِيث.
ثَانِيهَا: من حَدِيث فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش «أَنَّهَا شكت إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الدَّم فَقَالَ: إِذا أَتَاك قرؤك فَلَا تصلي، فَإِذا مرّ قرؤك فتطهري، ثمَّ صلي مَا بَين الْقُرْء إِلَى الْقُرْء» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد كل رِجَاله ثِقَات.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: ثَبت أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للمستحاضة: «إِذا أَتَاك قرؤك فَلَا تصلي» وَأَنه أمرهَا أَن تتْرك الصَّلَاة قدر أقرائها وحيضها، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الحَدِيث الَّذِي قبله.
ثَالِثهَا: من حَدِيث أم سَلمَة، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده عَن يزِيد بن هَارُون، أَنا حجاج، عَن نَافِع، عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن امْرَأَة أَتَت أم سَلمَة تسْأَل لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن الْمُسْتَحَاضَة؟ فَقَالَ: تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها» وَهَذِه الْمَرْأَة هِيَ فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش كَمَا سبق وَصرح بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه فَإِنَّهُ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار عَنْهَا «أَنَّهَا استفتت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيْش فَقَالَ: تدع الصَّلَاة قدر أقرائها، ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي» ثمَّ قَالَ:- أَعنِي الدَّارَقُطْنِيّ- ورَوَاهُ وهيب، عَن أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة بِهَذَا، وَقَالَ: «تنْتَظر أَيَّام حَيْضهَا وَتَدَع الصَّلَاة».
ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت حتَّى كَانَ المركن ينْقل من تحتهَا وَأَعلاهُ الدَّم، قَالَ: فَأمرت أم سَلمَة تسْأَل لَهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، ثمَّ تَغْتَسِل وتستثفر بِثَوْب وَتصلي».
ثمَّ رَوَى من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار أَيْضا «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَو سُئِلَ لَهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم فَأمرهَا أَن تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، وَأَن تَغْتَسِل فِيمَا سُوَى ذَلِك وتستذفر بِثَوْب وَتصلي، فَقيل لِسُلَيْمَان: أيغشاها زَوجهَا؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نقُول فِيمَا سمعنَا».
وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي الْعدَد من حَدِيث أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان بن يسَار «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت فَسَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا أَن تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، وَأَن تَغْتَسِل فِيمَا سُوَى ذَلِك وتستذفر بِثَوْب وَتصلي، فَقيل لِسُلَيْمَان...» إِلَى آخِره، قَالَ: كَذَا رَوَاهُ عبد الْوَارِث وَحَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب، إِلَّا أَنَّهُمَا ذكرا أَن أم سَلمَة استفتت لَهَا، وَاحْتج إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل ابْن علية بِهَذِهِ الرِّوَايَة، وَزعم أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَوَاهُ عَن أَيُّوب هَكَذَا، قَالَ الشَّافِعِي: مَا حدث سُفْيَان بِهَذَا قطّ إِنَّمَا قَالَ: سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «تدع الصَّلَاة عدد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحيض» أَو قَالَ: «أَيَّام أقرائها» الشَّك من أَيُّوب لَا يدْرِي قَالَ هَذَا أَو هَذَا، فَجعله هُوَ أَحدهمَا عَلَى نَاحيَة مِمَّا يُرِيد لَيْسَ هَذَا بِصدق.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَفِي رِوَايَة عَن سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن سُلَيْمَان، عَن أم سَلمَة «أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت فَسَأَلت لَهَا أم سَلمَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لَيست بالحيضة إِنَّمَا هُوَ عرق. فَأمرهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم أَن تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها وَأَيَّام حَيْضهَا، ثمَّ تَغْتَسِل وَتصلي، فَإِن غلبها الدَّم استذفرت» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدت وَالصَّوَاب «أَيَّام أقرائها أَو أَيَّام حَيْضهَا» بِالشَّكِّ. قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ وهيب، عَن أَيُّوب، ورَوَاهُ أَبُو عبد الله المَخْزُومِي، عَن سُفْيَان فَقَالَ: «لتنظر عدَّة اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت تحيضهن وقدرهن من الشَّهْر فلتترك الصَّلَاة» كَذَلِك كَمَا رَوَاهُ نَافِع، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، قَالَ الشَّافِعِي: نَافِع أحفظ عَن سُلَيْمَان من أَيُّوب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ هَذَا اللَّفْظ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِي أَحَادِيث ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْحيض، وَتلك الْأَحَادِيث فِي نَفسهَا مُخْتَلف فِيهَا، فبعض الروَاة قَالَ فِيهَا: «أَيَّام أقرائها» وَبَعْضهمْ قَالَ فِيهَا: «أَيَّام حَيْضهَا» أَو فِي مَعْنَاهُ، وكل ذَلِك من جِهَة الروَاة كل وَاحِد مِنْهُم يعبر عَنهُ بِمَا يَقع لَهُ.
قَالَ: وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح متفقة عَلَى الْعبارَة عَنهُ بأيام الْحيض دون لفظ الْأَقْرَاء.
الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث عدي بن ثَابت، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَة: «تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها الَّتِي كَانَت تحيض فِيهَا، ثمَّ تَغْتَسِل وتتوضأ عِنْد كل صَلَاة وتصوم وَتصلي».
رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده من حَدِيث شريك، عَن أبي الْيَقظَان، عَن عدي بِهِ إِلَّا أَن الدَّارمِيّ قَالَ: «أَيَّام حَيْضهَا» بدل «أقرائها».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث قد تفرد بِهِ شريك، عَن أبي الْيَقظَان. قَالَ: وسَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَقلت: عدي بن ثَابت، عَن أَبِيه، عَن جده، جد عدي بن ثَابت مَا اسْمه؟ فَلم يعرف مُحَمَّد اسْمه، وَذكرت لمُحَمد قَول يَحْيَى بن معِين أَن اسْمه: دِينَار، فَلم يعبأ بِهِ. قلت: وَقَالَ أَحْمد بن زُهَيْر: اسْمه: قيس. حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى فِي معرفَة الصَّحَابَة قَالَ: وَقَالَ أَكْثَرهم: اسْمه عبد الله بن يزِيد الخطمي.
قَالَ: وَقيل: إِن عبد الله بن يزِيد اسْم جده من قبل الْأُم. انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح من هَذَا كُله شَيْء. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي تهذيبه: الصَّحِيح القَوْل الْأَخير. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ عدي بن ثَابت بن عبيد بن عَازِب فجده هَذَا هُوَ أَخُو الْبَراء بن عَازِب الْأنْصَارِيّ. وَحَكَى الْمزي عَن بَعضهم أَنه عدي بن أبان بن ثَابت بن قيس بن الخطيم الظفري الْأنْصَارِيّ وَصوب هَذَا القَوْل الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فِي كِتَابه قبائل الْأَوْس والخزرج.
قلت: وَأَبُو الْيَقظَان الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث اسْمه عُثْمَان بن عُمَيْر الْكُوفِي، وَيُقَال لَهُ ابْن قيس، وَابْن أبي حميد، وَابْن أبي زرْعَة أَعْمَى وأعشى ثَقِيف، وَقد ضعفه غير وَاحِد، قَالَ أَحْمد: ضَعِيف الحَدِيث، وَقَالَ يَحْيَى: حَدِيثه لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط حتَّى لَا يدْرِي مَا يَقُول لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم:
ضَعِيف الحَدِيث مُنكر، كَانَ شُعْبَة لَا يرضاه. وَذكر أَنه حَضَره فروَى عَن شيخ فَقَالَ لَهُ شُعْبَة: كم سنك؟ قَالَ: كَذَا، وَإِذا الشَّيْخ قد مَاتَ وَهُوَ ابْن سنتَيْن. وَقَالَ الدولابي فِي كِتَابه: حَدَّثَني عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: ترك عبد الرَّحْمَن بن مهْدي حَدِيث أبي الْيَقظَان هَذَا. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه: لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. لَا جرم أَن أَبَا دَاوُد قَالَ فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يَصح. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله وَمِنْهَا نقلت: سَأَلت مُحَمَّدًا- يَعْنِي البُخَارِيّ- عَن هَذَا الحَدِيث فَلم يعرفهُ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كُنَّا نعد الصُّفْرَة والكدرة حيضا».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهَذَا إِخْبَار عَمَّا عهدته فِي زمن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ، وَقَالَ النَّوَوِيّ أَيْضا فِي شرح الْمُهَذّب: لَا أعلم من رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ. وَخَالف فِي خلاصته فَذكره فِي فصل الضَّعِيف، وَهُوَ فرع مَعْرفَته.
قلت: لَكِن فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عمْرَة عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَنَّهَا كَانَت تنْهَى النِّسَاء أَن ينظرن إِلَى أَنْفسهنَّ لَيْلًا فِي الْحيض، وَتقول: إِنَّهَا قد تكون الصُّفْرَة والكدرة».
وَفِي موطأ مَالك، عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة، عَن أمه مولاة عَائِشَة قَالَت: «كَانَ النِّسَاء يبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها بالدرجة فِيهَا الكرسف فِيهِ الصُّفْرَة من دم الْحيض، فيسألنها عَن الصَّلَاة؟ فَتَقول لَهُنَّ: لَا تعجلن حتَّى تَرين الْقِصَّة الْبَيْضَاء- تُرِيدُ الطُّهْر من الْحَيْضَة».
وَرَوَى هَذَا عَن عَائِشَة: البُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، وَخَالف أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَقَالَ: خولفت أم عَلْقَمَة بِمَا هُوَ أَقْوَى من رِوَايَتهَا.
قلت: وَأم عَلْقَمَة اسْمهَا مرْجَانَة سَمَّاهَا ابْن حبَان فِي ثقاته، ووثقها الْعجلِيّ أَيْضا، وَهَذَانِ الأثران عَنْهَا بِمَعْنى يقربان مِمَّا أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَأما حَدِيثهَا الآخر: «مَا كُنَّا نعد الصُّفْرَة والكدرة شَيْئا وَنحن مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» فضعيف بِمرَّة.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، لَا يسوى ذكره. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هُوَ وهم، وَإِنَّمَا هُوَ عَن أم عَطِيَّة. قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا عَن أم سَلمَة وَهُوَ وهم.
فَائِدَة: الدُرْجة فِي رِوَايَة الْمُوَطَّأ السالفة- بِضَم الدَّال وَإِسْكَان الرَّاء وبالجيم، وبكسر الدَّال وَفتح الرَّاء، وَمن فتحهَا فقد أبعد عَن الصَّوَاب- وَهِي خرقَة أَو قطنة أَو نَحْو ذَلِك تدخله الْمَرْأَة فرجهَا ثمَّ تخرجه لتنظر هَل بَقِي شَيْء من أثر الْحيض أم لَا.
والكرسف: الْقطن. والقَصَّة- بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة- وأصل القص الجص، وَمِنْه الحَدِيث: «نهَى عَن تقصيص الْقُبُور» قيل مَعْنَاهُ: أَن تخرج القطنة أَو الْخِرْقَة الَّتِي تحشي بهَا كَأَنَّهَا قصَّة لَا تخالطها صفرَة. وَقيل: إِن الْقِصَّة كالجص الْأَبْيَض يخرج بعد انْقِطَاع الدَّم كُله. وَقيل: هُوَ مَاء أَبيض يخرج فِي آخر الْحيض. حَكَى هَذِه الْأَقْوَال الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام قَالَ: وَشبه ذَلِك بالقص وَهُوَ الجص. وَوَقع فِي كِفَايَة الْفَقِيه ابْن الرّفْعَة تَفْسِير الْقِصَّة الْبَيْضَاء بِأَنَّهُ شَيْء كالحيض الْأَبْيَض يخرج عِنْد انْقِطَاع الدَّم، وَصَوَابه كالجص الْأَبْيَض وَالله أعلم.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

عَن أم عَطِيَّة رَضي اللهُ عَنها وكَانَت مِمَّن بَايع النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَت: «كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة شَيْئا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح «كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة بعد الطُّهْر شَيْئا» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَوَقع فِي «الْعُمْدَة الْكُبْرَى» عزوه إِلَى الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ غلط مِنْهُ فِي مُسلم، وَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد، وَقد علمت أَن لَفْظَة: «بعد الطُّهْر» لَيست فِي البُخَارِيّ فَاعْلَم ذَلِك. وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بِلَفْظ: «كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة والكدرة شَيْئا- يَعْنِي فِي الْحيض».
قَالَ ابْن عَسَاكِر: هَذَا مَوْقُوف.
قلت: هُوَ أحد الْمذَاهب فِي الْمَسْأَلَة، وَالْمُخْتَار أَنه مَرْفُوع مُطلقًا إِضَافَة إِلَى زمن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، أَو لم نضفه كَمَا ذكرته فِي «الْمقنع فِي عُلُوم الحَدِيث» وَلذَلِك ذكرت حَدِيث أم عَطِيَّة هَذَا فِي الْأَحَادِيث دون الْآثَار، وَصحح ابْن الصّلاح التَّفْصِيل، فَإِن أَضَافَهُ فمرفوع وَإِلَّا فَلَا.
وَرَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي مُسْنده بِلَفْظ: «كُنَّا لَا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الْغسْل شَيْئا». وَالدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ: «كُنَّا لَا نرَى التريّه بعد الطُّهْر شَيْئا- وَهِي الصُّفْرَة والكدرة».
وَذكرهَا ابْن السكن فِي صحاحه.
والتَّرِيّه: بِفَتْح الْمُثَنَّاة فَوق، ثمَّ رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة، ثمَّ مثناة تَحت مُشَدّدَة، ثمَّ هَاء، قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الشَّيْء الْخَفي الْيَسِير من الصُّفْرَة والكدرة، ترَاهَا الْمَرْأَة بعد الِاغْتِسَال من الْحيض، فَأَما مَا كَانَ فِي أَيَّام الْحيض فَهُوَ حيض وَلَيْسَ بترية. ذكره فِي بَاب رَأَى فَهُوَ دَلِيل عَلَى أَن الْيَاء زَائِدَة، وَأَن أصل الْكَلِمَة ترية، وذكر الْفَارِسِي فِي مجمعه: الْيَاء بدل من الْوَاو وَأَصلهَا من لفظ «وَرى» لِأَنَّهُ يرَى وَرَاء الْحيض أَو من ورت الزند، لِأَنَّهَا تسْقط سُقُوط النَّار من الزند تَنْبِيه: وَقع فِي أَكثر نسخ الْوَسِيط للْإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ بدل «أم عَطِيَّة»: «بنت جحش» وَفِي بَعْضهَا: «زَيْنَب بنت جحش» وَوَقع فِي نِهَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ: حمْنَة بنت جحش وكل ذَلِك مُنكر لَا يعرف.
وَالصَّوَاب لقَوْل أم عَطِيَّة كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّاس، وَوَقع فِيهِ أَعنِي فِي الْوَسِيط تبعا لشيخه فِي نهايته زِيَادَة فِيهِ، وَهِي: «كُنَّا لَا نعتد بالصفرة وَرَاء الْعَادة شَيْئا» وَلَفظه: «وَرَاء الْعَادة» مُنكر لَا يعرف وَالله أعلم.

.الحديث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ:

«أَن سهلة بنت سُهَيْل استحيضت فَأَتَت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا بِالْغسْلِ عِنْد كل صَلَاة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة «أَن سهلة...» فَذَكرته سَوَاء، وَزَاد: «فَلَمَّا جهدها ذَلِك، أمرهَا أَن تجمع بَين الظّهْر وَالْعصر بِغسْل، وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء بِغسْل، وتغتسل للصبح» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه: «أَن امْرَأَة استحيضت فَسَأَلت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأمرهَا»، بِمَعْنَاهُ، ترْجم عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: من زعم أَن الْأَمر بِالْغسْلِ لكل صَلَاة مَنْسُوخ.
وَورد أَيْضا الْأَمر بِالْغسْلِ لكل صَلَاة لأم حَبِيبَة لكنه ضَعِيف.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي سنَن أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمرهَا بِالْغسْلِ لكل صَلَاة» ضَعِيفَة لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِشَيْء مِنْهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أمرهَا أَن تَغْتَسِل فَكَانَت تَغْتَسِل عِنْد كل صَلَاة».
قَالَ الشَّافِعِي: إِنَّمَا أمرهَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن تَغْتَسِل وَتصلي، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه أمرهَا أَن تَغْتَسِل لكل صَلَاة، وَلَا أَشك أَن غسلهَا كَانَ تَطَوّعا غير مَا أمرت بِهِ، وَذَلِكَ وَاسع لَهَا... هَذَا لفظ الشَّافِعِي، وَكَذَا قَالَ شَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَاللَّيْث بن سعد، وَغَيرهمَا.

.الحديث الخَامِس وَالْعشْرُونَ:

عَن أم سَلمَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَت النُّفَسَاء تجْلِس عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَرْبَعِينَ يَوْمًا».
هَذَا الحَدِيث جيد، رَوَاهُ أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من حَدِيث عَلّي بن عبد الْأَعْلَى عَن أبي سهل عَن مُسَّة- بِضَم الْمِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة- الْأَزْدِيَّة، وكنيتها: أم بُسَة- بِضَم الْبَاء وَفتح السِّين- كَمَا قيدها الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام وبخط ابْن المهندس فِي تَهْذِيب الْكَمَال للمزي بِفَتْحِهَا خطأ عَن أم سَلمَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، إِلَّا أَن لفظ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَإِحْدَى روايتي الإِمَام أَحْمد: «كَانَت النُّفَسَاء عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد بعد نفَاسهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة» وَهُوَ لفظ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته زَاد أَبُو دَاوُد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ: «وَكُنَّا نطلي عَلَى وُجُوهنَا بالورس من الكلف» وَهَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا أَيْضا أَحْمد وَابْن مَاجَه.
وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «كَانَت النُّفَسَاء عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكُنَّا نطلي وُجُوهنَا بالورس من الكلف».
وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه كَلَفْظِ التِّرْمِذِيّ وَمن تَابعه، إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ: «وَكُنَّا نطلي وُجُوهنَا بالورس والزعفران».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِزِيَادَة عدم قَضَاء الصَّلَاة عَلَيْهَا، وَهَذَا لَفظه: عَن كثير بن زِيَاد قَالَ: حَدَّثتنِي الْأَزْدِيَّة قَالَت: «حججْت فَدخلت عَلَى أم سَلمَة فَقلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ، إِن سَمُرَة بن جُنْدُب يَأْمر النِّسَاء يقضين صَلَاة الْمَحِيض؟ فَقَالَت: لَا يقضين، كَانَت الْمَرْأَة من نسَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد فِي النّفاس أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا يأمرها النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِقَضَاء صَلَاة النّفاس».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه أَيْضا، وَذكر اللَّفْظ الأول شَاهدا لَهُ.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من وَجه آخر عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْعَرْزَمِي، عَن أَبِيه، عَن الحكم بن عُتيبة، عَن مَسة، عَن أم سَلمَة، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَنَّهَا سَأَلته: كم تجْلِس الْمَرْأَة إِذا ولدت؟ قَالَ: تجْلِس أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَن ترَى الطُّهْر قبل ذَلِك» وَهَذِه الرِّوَايَة مبينَة للروايات السالفة إِذْ لَا يُمكن أَن تتفق عَادَة نسَاء عصر فِي نِفَاس أَو حيض، وَالْمعْنَى: كَانَت تُؤمر النُّفَسَاء أَن تجْلِس إِلَى الْأَرْبَعين. وأعل هَذَا الحَدِيث بِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: بالطعن فِي أبي سهل رَاوِيه عَن مسَّة، واسْمه كثير بن زِيَاد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: كثير بن زِيَاد لَيْسَ لَهُ ذكر فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَذكره أَبُو حَاتِم فِي كتاب الْمَجْرُوحين وَاسْتحبَّ مجانبة مَا انْفَرد بِهِ. قلت: وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد وَثَّقَهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة أبي عِيسَى عَنهُ، وَذكر أَنه لَيْسَ لمسة إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
ثَانِيهَا: أَن مسَّة هَذِه مَجْهُولَة، قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كتاب الْوَهم والإِيهام: عِلّة هَذَا الْخَبَر، مَسّه الْمَذْكُورَة، وَهِي تكنى أم بسة، وَلَا يعرف حَالهَا وَلَا عينهَا، وَلَا تعرف فِي غير هَذَا الحَدِيث. قَالَه التِّرْمِذِيّ فِي علله. قَالَ: فخبرها هَذَا ضَعِيف الْإِسْنَاد ومنكر الْمَتْن، فَإِن أَزوَاج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مَا مِنْهُنَّ من كَانَت نفسَاء أَيَّام كَونهَا مَعَه إِلَّا خَدِيجَة، فَإِن تَزْوِيجهَا كَانَ قبل الْهِجْرَة، فَإِذن لَا مَعْنَى لقولها: «قد كَانَت الْمَرْأَة من نسَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تقعد فِي النّفاس أَرْبَعِينَ لَيْلَة» إلاأن تُرِيدُ بنسائه غير أَزوَاجه من قَرَابَات وَبَنَات وسريته مَارِيَة. وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك أَبَا مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ: مسَّة مَجْهُولَة.
وَالْجَوَاب عَن الْعلَّة الأولَى: أَن أَبَا سهل قد وَثَّقَهُ أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ: البُخَارِيّ وَيَحْيَى بن معِين وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَوْلهمْ مقدم عَلَى تَضْعِيف ابْن حبَان لَهُ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث أبي سهل، عَن مسَّة، عَن أم سَلمَة. قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل- يَعْنِي:
البُخَارِيّ-: عَلّي بن عبد الْأَعْلَى ثِقَة. وَأَبُو سهل ثِقَة، وَلم يعرف مُحَمَّد هَذَا الحَدِيث إِلَّا من حَدِيث أبي سهل.
وَقَالَ الْخطابِيّ: حَدِيث مسَّة هَذَا أَثْنَى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، وَقَالَ: مسَّة هَذِه أزدية، وَاسم أبي سهل: كثير بن زِيَاد، وَعلي بن عبد الْأَعْلَى ثِقَة.
وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَلَا أعرف فِي مَعْنَاهُ غير هَذَا. ثمَّ ذكر الشَّاهِد الَّذِي أسلفناه عَنهُ.
قلت: وتوثيق البُخَارِيّ لَهُ لَا يُعَارضهُ عدم ذكره فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَأما الْجَواب عَن الْعلَّة الثَّانِيَة فَلَا نسلم لِابْنِ حزم وَابْن الْقطَّان دَعْوَى جَهَالَة عين مسَّة، فَإِنَّهُ قد رَوَى عَنْهَا جماعات: كثير بن زِيَاد وَالْحكم بن عتيبة- كَمَا أسلفاه- وَزيد بن عَلّي بن الْحُسَيْن، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم، وَرَوَى أَيْضا مُحَمَّد بن كناسَة، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن الْحسن، عَن مسَّة أَيْضا، فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَة رووا عَنْهَا فارتفعت جَهَالَة عينهَا.
وَأما جَهَالَة حَالهَا، فَهِيَ مُرْتَفعَة بِبِنَاء البُخَارِيّ عَلَى حَدِيثهَا وَتَصْحِيح الْحَاكِم لإسناده، فَأَقل أَحْوَاله أَن يكون حسنا لَا جرم قَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: قَول جمَاعَة من مصنفي الْفُقَهَاء أَن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف؛ مَرْدُود عَلَيْهِم.
قلت: ولعلهم أَرَادوا طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ الَّتِي فِيهَا الْعَرْزَمِي فَإِنَّهُ ضَعِيف جدًّا، بل قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه عقب ذكر رِوَايَة أبي دَاوُد الْأَخِيرَة: قد رُوِيَ فِي هَذَا عَن أنس وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فِي النُّفَسَاء «أَنَّهَا تقعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة» وَفِي بَعْضهَا: «إِلَّا أَن ترَى الطُّهْر قبل ذَلِك» وَهِي أَحَادِيث معتلة بأسانيد متروكة، وأحسنها حَدِيث أبي دَاوُد.

.الحديث السَّادِس وَالْعشْرُونَ:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع، ولاحائل حتَّى تحيض».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع، وَلَا غير ذَات حمل حتَّى تحيض حَيْضَة».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.
وَقَالَ عبد الْحق: فِي إِسْنَاده أَبُو الوداك، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَهُوَ عِنْد غَيره دون ذَلِك.
قَالَ ابْن الْقطَّان: ترك عبد الْحق مَا هُوَ أولَى أَن يعل بِهِ الْخَبَر وَهُوَ شريك بن عبد الله، فَإِنَّهُ يرويهِ عَن قيس بن وهب عَن أبي الوداك، وَشريك مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مُدَلّس. قلت: قد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَأخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة.
وَذكر الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث مُعَلّقا وَقَالَ: إِنَّه أصل الِاسْتِبْرَاء. وَقَالَ فِي الْمُخْتَصر: «نهَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَام سبي أَوْطَاس أَن تُوطأ حَامِل حتَّى تضع وَلَا حَائِل حتَّى تحيض» وَهَذَا هُوَ عين مَا أوردهُ الرَّافِعِيّ، وَاعْترض القَاضِي عَلَى الشَّافِعِي، فَقَالَ: ذكر أول الْخَبَر بِالْمَعْنَى وَآخره بِاللَّفْظِ، وَلَو كَانَ أَتَى بِالْمَعْنَى لقَالَ: أَو حَائِل حتَّى تحيض. وَلَو أَتَى بِأول اللَّفْظ لقَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لَا تُوطأ حَامِل حتَّى تضع». قَالَ: وَكَانَ الأولَى بَعْدَمَا عمد إِلَى الْمَعْنى أَن ينْقل آخر الحَدِيث بِالْمَعْنَى، وَإِن كَانَ مَا فعله سائغًا فِي كَلَامهم، وَيُسمى تلوين الْكَلَام.
قلت: قد علمت أَن آخِره لم نجده بِهَذَا اللَّفْظ، فَإِذا هُوَ بِالْمَعْنَى، وَلِهَذَا الحَدِيث شَاهد من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن صاعد، ثَنَا عبد الله بن عمرَان العائذي، ثَنَا ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن مُسلم الجندي، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن تُوطأ حَامِل حتَّى تضع أَو حَائِل حتَّى تحيض» ثمَّ قَالَ: قَالَ لنا ابْن صاعد: مَا قَالُوا لنا فِي هَذَا الْإِسْنَاد أحدا عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا العائذي. وَله شَاهد ثَالِث أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَكِن بِإِسْنَاد ضَعِيف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه من حَدِيث بَقِيَّة، عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ: «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نهَى فِي وقْعَة أَوْطَاس أَن يَقع الرجل عَلَى حَامِل حتَّى تضع» ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن دَاوُد إِلَّا الْحجَّاج تفرد بِهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَلَا رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل إِلَّا بَقِيَّة.
فَائِدَة:
أَوْطَاس- بِفَتْح أَوله وبالطاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ- وادٍ فِي بِلَاد هوَازن، وَبِه كَانَت غَزْوَة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هوَازن.
قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه فِي كَلَامه عَلَى نِكَاح الْمُتْعَة: عَام أَوْطَاس وعام الْفَتْح وَاحِد، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب الْآيَات الْبَينَات: وَكَانَت بعد فتح مَكَّة بِيَوْم.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فَثَلَاثَة:

.أَولهَا:

عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ: «إِن أقل الْحيض يَوْم وَلَيْلَة».

.ثَانِيهَا:

عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: «مَا زَاد عَلَى خَمْسَة عشر فَهُوَ اسْتِحَاضَة» وَلَا يحضرني من خرجها.

.ثَالِثهَا:

مَذْهَب عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «من جَامع فِي الْحيض فَعَلَيهِ عتق رَقَبَة» وَهَذَا ورد فِي خبر مَرْفُوع لكنه ضَعِيف، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أصبت امْرَأَتي وَهِي حَائِض. فَأمره رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَن يعْتق النَّسمَة، وَقِيمَة النَّسمَة يومئذٍ دِينَار».
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: هَذَا حَدِيث مُنكر، تفرد بروايته عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم. قَالَ أَحْمد: قلب أَحَادِيث شهر بن حَوْشَب فَجَعلهَا حَدِيث الزُّهْرِيّ وَجعل يُضعفهُ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث.
قلت: وَهَذَا عَجِيب إِذْ يروي لَهُ فِي سنَنه وَيَقُول: هُوَ مَتْرُوك! وَقَالَ صَاحب الإِمام: عبد الرَّحْمَن هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث. وَضَعفه الإِمَام أَحْمد أَيْضا، وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَلَا يَصح فِي إتْيَان الْحَائِض إِلَّا التَّحْرِيم. وَهَذَا قد أسلفناه عَنهُ فِي أثْنَاء الْكَلَام عَلَى الحَدِيث الْحَادِي عشر من هَذَا الْبَاب.
وأسلفنا هُنَاكَ عَن ابْن الْقطَّان أَنه قَالَ: لَا يعول عَلَى هَذَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر، وَفِي إِسْنَاده مُوسَى بن أَيُّوب وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: لَا، قد وَثَّقَهُ الْعجلِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق.
آخر الْجُزْء السَّادِس عشر من تَحْرِير المُصَنّف غفر الله لَهُ بِحَمْد الله وَمِنْه وَكَرمه.
يتلوه: كتاب الصَّلَاة.